كلمة المحرر

 

«مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟»

 

 

 

     بدلَ أن تغيّر أمريكا موقفها العدائي من الإسلام والمسلمين ؛ وبدلَ أن تنصف مع المسلمين ؛ وبدلَ أن تعاملهم معاملة العدل والمساواة؛ وبدلَ أن تحلّ القضية الفلسطينية حلاًّ مبنيًّا على العدل ومقتضى التأريخ ، وأن تتناهى عن الانحياز السافر – بل الانحياز الفاجر إذا صحّ التعبير – لإسرائيل ، وعن اعتبار جميع عدواناتها تصرفًا معقولاً نابعًا عن حقّها المشروع ، وعن إيجاد مسوغات ومبررات لانهاية لها لمجازرها الوحشية التي ظلت تقيمها ضد الفلسطينيين منذ نحو ستين عامًا ؛ وبل أن تتوقف عن الهجوم العسكري الوحشي الكاسح وشن الحرب على دولة إسلامية إثر دولة إسلامية ، وأن تتحاشى عن محاربة الإسلام باسم محاربة الإرهاب ، وعن ملاحقة الإسلاميين وتعذيبهم الوحشي باسم محاربة الإرهابيين ، وعن شن حرب صليبية ضد الدول الإسلاميّة متسترة بحجة شنّ الحرب على ما اتخذته من العفريت المارد والغول الوهي باسم «تنظيم القاعده» الذي كان من صنيعها هي .

     بدلَ أن تصنع ذلك كلَّه أو بعضه ، فتحسن صورتها لدى المسلمين ، ويجمل وجهها لدى العالم المعاصر الذي عاد يراها غولاً أسود يتفطّر غطرسة وتباهًا بالقوة والرقي المادي وينادي بلسان الحال والمقال معًا : «مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟» (   ) فيقل أو ينعدم صراعها مع الإسلام والمسلمين ، وينعدم ويتلاشي موقف التوتر القائم بينها وبين الإسلاميين في العالم كله ، فتأمن على نفسها وتأمن على مصلحها وممتلكاتها ، وتتقدم بشكل أكثر ، وتحقق النهضة والبناء والنماء والرخاء بقوة أكثر ، وتخدم الإنسانية بنشاط أوفر ، وتسجل اسمها في سجل الخلود وملف التأريخ بطريق أحسن .. بدلَ أن تصنع ذلك لاتزال سادرة في غيّها وغلوائها وخيلائها بل تزدادًا عداء ومحاربة للإسلام والمسلمين ، وإلى جانب ذلك تودّ أن تحسن صورتها في نظر المسلمين باستزارة بعض من تقدر على شراء ولائهم ومساومة ضمائرهم من ذوي اللحي الكثة الطويلة والشارة الإسلامية بما تطمعهم في إكرامها إيّاهم باستزارة مدنها وآثارها وأمكنتها السياحيّة وبما تنفق عليهم من الدولارات الكثيرة التي تتحلب لها أفواههم وتتلمظ لها شفاههم ؛ ولكن هذا الأسلوب الماكر بدلَ أن يحسّن صورة أمريكا ، تلطّخ وجَها بشكل أكثر ، كما تسيء سمعة أصحاب اللحى هؤلاء من فاقدي الغيرة الإسلاميّة . ولا بدّ أن أوضح هنا أن زيارة أمريكا ليست محرمة من وجهة النظر الإسلامية في الأحوال العاديّة ولكنها محرمة في الوضع الحالي بالذات إذا استغلّت ذلك للتدليل على أن أمريكا إيجابية في مواقفها التي تتعامل من خلالها مع الإسلام والمسلمين ، ومحرمة إذا عاد الزائرون لأمريكا إلى بلادهم متغنّين بعد لها مع الإنسانيّة وفضلها في تصرفاتها ، وتزاهتها في الإدارة والحكم ، وأن قوانينها الوضعيّة تفوق القوانينَ الإسلاميةَ ، في إراحة الشعب ، وتطوير البلاد ، وتنمية الوسائل البشريّة .

     إن أمريكا ستتحسّن صورتها بشيء واحد ، وهو تعاملها بالعدل مع الإسلام والمسلمين وتناهيها عن الهجوم على البلاد الإسلامية وعن محاولة تغيير أنظمة الحكم والتعليم والثقافة فيها . أما أساليبها الكثيرة غير هذا ، فهي لا تغيّر في قضيّة كراهية المسلمين لها ، لأنها تمثل سباحة في الجهة المعاكسة للأمواج العاتية                   [ التحرير ]

 

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الأولي 1426هـ = يونيو – يوليو 2005م ، العـدد : 5 ، السنـة : 29.